وحده المجتمع قد يفرض قيودا تجعلك تعتقد أن مواجهة الظلم جريمة ويجعل المواجهة أشبه بمقابلة أسد مفترس، فلنترك القيم البالية والخوف من الأقاويل ونقف بشجاعة ونقول لا لكل مجرم أثيم.
بداية فإن المجرم جبان يتظاهر بالقوة هذه مقولة مؤكدة، عليك فقط أن تكشفه على الملأ وتجعله يرى صورته القذرة في عيون الناس.
قصة الانتقام المؤلم
اليوم سأقص عليكم قصتي والتي بدأت يوم أن ذهبت مسرعة إلى المستشفى فور علمي بسقوط أمي من فوق الدرج على إثر ذلك تعرضت لكسر مُضاعف في قدمها وكدمات متفرقة لحقت بجسدها النحيل، حملت كتبي وغادرت المدرج على عجل تدافعت الدموع كأنها شلال جارف.
وصلت إلى المستشفى لأجد أختي سيفين الكبيرة تذرف الدموع وبجوارها جلست عمتي زينب واجمة، هالني منظرهما وخشيت أن يكون قد لحق بأمي مكروه.
لاحظ والدي توتري فطمأنني وقال: "لا بأس يا هانيا والدتك في غرفة العمليات تركب شريحتين في عظمة الساق". جلست في ذهول حاولت أن أتعامل مع تلك الصدمة، أخذت أوبخ نفسي وتمنيت لو تغيبت عن الجامعة وسقطت أنا بدلا من أمي، أخذت أعترض وأقول بسخط ولم أمي وهي لا تؤذي ذبابة.
عندما أخبرت أبي قال:" أتفهم تماما ما في نفسك، لكن عزيزتي إن تقبُل القدر بنفس مطمئنة أفضل كثيرا من التذمر والشكوى، انظري حولك يا "هانيا" هذا الشاب هناك فقد ساقه في حادث مأساوي، وتلك الأم التي تضع رأسها في ذهول على الحائط فقدت فلذة كبدها في حادث آخر، عساها تتمنى الآن لو أنه فقد ساقه أو بترت يداه بدلا من أن يغيبه الموت، اقتنعت تماما بوجهة نظر والدي واستغفرت الله بسبب سوء ظني وحسبي أنني كنت تحت تأثير الصدمة.
تذكر أبي لاحقا أنه لم يتناول دواء الضغط وطلب مني أن أشتريه من صيدلية المستشفى والتي تقع آخر الممر بجوار بهو الاستقبال.
قصة الانتقام المؤلم - لقاء في ردهة الاستقبال
ما أن فتحت باب المصعد بعد أن هبطت للدور الأول حتى وجدت الأستاذ شفيق قريب والدي، بادرني بالسؤال عن حالة أمي وأخبرته أنها تجري عملية في قسم العظام بالدور الخامس، وأن أبي ينتظر هناك أمام غرفة العمليات.
اتجهت ناحية الصيدلية وحسبت أنه ذهب إلى والدي، غير أني فوجئت به يجلس على أحد المقاعد وعندما عدت بالدواء نهض نحوي مسرعا و قال: " لقد انتظرتك حتى نصعد سويا، تعجبت ولكن لم ألق بالا فلقد كنت مشغولة تماما.
عقب العملية الجراحية قرر الطبيب أن تظل والدتي بالمستشفى لمدة ثلاثة أيام، ليلتها لم تنم قط لأن مفعول البنج زال ولم تكن المسكنات كافية لتسكين آلام جسدها، حاولت أن أخفف عنها و قامت سيفين بمساعدتها لتتمكن من الجلوس لشرب العصير، ظل أبي مستيقظا طوال الليل وقام مرارا باستدعاء مشرفة التمريض لتعطي أمي جرعة الدواء في المحلول.
مرت الليلة الأولى بسلام، أخبرني أبي بضرورة ذهابي إلى الكلية حتى لا تضيع درجات اختبارات منتصف التيرم، بينما أخذت سيفين إجازة من عملها لتكون بجوار أمي.
ذهبت على مضض امتثالا لأمر والدي، عقب الامتحان هاتفني والدي وطمأنني، وطلب مني أن أحضر بعض الأغراض من المنزل عدت على عجل ولدى خروجي من البيت فوجئت بالأستاذ شفيق الذي بدوره ألح لكي يقوم بتوصيلي إلى المستشفى.
في أثناء الطريق لاحظت أنه يختلس النظر إلي، عندما نظرت إليه بحدة، سألني هل أدت والدتك صلاة المغرب والعشاء؟
تعجبت من السؤال، لكني وجدت نفسي أجيبه بالنفي، فتغير وجهه واسترجع الله وقال:"والدتك تاركة للصلاة؟ ألا تعلمين عقوبة تارك الصلاة؟ لقد تعمدت والدتك أن تترك الفريضة والعياذ بالله، ما هذا التهاون؟ أين نحن من الرعيل الأول؟
صمت طوال الطريق وشعرت بالأسف حيال والدتي، وخفت من العقوبة التي تنتظرها في الآخرة. استقبل أبي الأستاذ شفيق وجلس معه في ردهة الاستقبال، فور دخولي قبلت أمي وسألتها عن الصلاة، نهرتني سيفين قائلة: "أما تلاحظين ما بها من ألم، إن أمي تجلس بمشقة، فكيف تصلي؟ بعد عودة والدتي سالمة من المستشفى لاحظ جدي الشرود الذي أصابني، فصارحته بما كان من أمر شفيق فأخبرني أن أمثال شفيق متنطعون في الدين يشددون على خلق الله.
هم يتمسكون بمظاهر الدين أكثر من فهم جوهره، غير أن والدي انحاز إلى رأي الأستاذ شفيق وقال إننا بحاجة لمثل هذا الرجل قوي الإيمان الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، لو أن رجال الأمه مثل شفيق لاستقام أمرها، تلك النخبة وهبت نفسها للدين ولا مجال لديهم للتقصير أو التهاون، إنه يجبر صغاره على الصيام منذ عامهم الرابع وبنته ذات الخمس سنوات ترتدي الحجاب.
كره جدي نبرة الإعجاب التي لمحها في حديث والدي عن الأستاذ شفيق، قاطعه وأخبره أن جوهر الدين هو الرحمة ومراعاة ظروف الضعفاء والتجاوز عن ضعفهم، ما زاد من غبطتي ما قاله جدي أن الرب يعود المريض ويكون معه وأن من يزور المريض له أجر وثواب عظيم.
تدخلت عمتي زينب قائلة: شفيق ينفر الناس ويبث الرعب والخوف، تخيل هذا المضطرب لا ينشر سوى مقاطع عن عذاب القبر وأهوال يوم القيامة.
قصة الانتقام المؤلم - تودد غير مقبول
لاحظت ذات مرة أنه يقف خارج أسوار الجامعة وكأنه ينتظر خروجي، تظاهرت بأني لم أره غير أنه قدم نحوي مسرعا بسيارته وطلب مني أن يقلني فرفضت، كرر المحاولة مرات كثيرة وراسلني بأرقام مختلفة عندما يأس من استجابتي قرر أن يهددني بالخطف.
يمكنكم متابعة أحداث قصة: خمسة فهلوة
قصة الانتقام المؤلم - هانيا تصارح والدتها وأختها
![]() |
| سيفين والإحصاء |
وقتها شعرت بأن الأرض ضاقت علي بما رحبت فهذا الثعبان يستغل تلك السمعة الزائفة التي بناها على النفاق ملتحفا بستار الدين، لم أجد بُدا من مصارحة والدتي في البداية شعرت بأنها لم تصدقني وطلبت مني أن أتيقن من شخصية الذي يضايقني، أقسمت لها أنه الأستاذ شفيق، احتارت والدتي وقالت: "إذا صارحت والدك ربما حدثت مشكلة كبيرة وقطيعة في العائلة، ومن يدري ربما هي محض أوهام، لا تنس أن الأستاذ شفيق متزوج ولديه مركز مرموق والكل يتحدث عن ورعه وتدينه.
أما سيفين فمطت شفتيها وقالت:" بصفتي أعمل في مركز إحصاء، أؤكد لك قضيتك خاسرة، مجتمعنا يصب جام غضبه على الضحية، ليس هذا فحسب بل يتبارى الجميع في اختلاق القصص بلا شفقة، أنصحك أن تصمتي ولا تحاولي فضحه لأن أمثاله ليس من السهل الإيقاع بهم.
شعرت بالأسى واليأس لأن هذا الماكر ضيق الخناق علي، أخبرت صديقتي ندى فقالت: " لابُد من أن تحصلي على دليل مادي يدينه لكي يخاف منك ويتوقف عن مضايقتك، صوري محادثاته وتهديداته".
أخبرتها أنني أقوم بحذف رسائله السخيفة، نبهتني لضرورة الإمساك بدليل مادي، لأن أمثاله أشد ما يضايقهم هو اهتزاز صورتهم أمام الناس.
قصة الانتقام المؤلم - تهديد بتشويه الوجه والخطف
في أحد الأيام راسلني بطريقة فجة وهددني بتشويه وجهي فقمت بالاحتفاظ بالرسائل، وذهبت إلى عمتي الدكتورة زينب باكية انفعلت بشدة ووصفته بأبشع الألفاظ، أخبرتني أنها تمقت شفيق هذا بلا سبب و تعلم أن هذا التشدد ما هو إلا ثوب يختبئ تحته هذا الذئب البشري الآثم، تنهدت بعمق وقالت:
" لعلك تجهلين سبب انفصالي عن زوجي السابق، كنت حينها طفلة صغيرة آن الأوان لأفتح قلبي وأقص عليك ما حدث، أثناء دراستي بكلية الصيدلة وتحديدا في السنة النهائية، في أحد الأيام فوجئت بأحد زملائي يعرفني بنفسه وأنه يدرس معي نهرته بشدة، فلست بالفتاة التي تأنس لصداقة الرجال ففر هاربا، لكن من وقتها راقبته خلسة ودق قلبي له ولنشاطاته الدينية في الحرم الجامعي أعجبت بتدينه الظاهري، عقب التخرج تقدم عاصم لخطبتي فوافقت تم الزواج بسرعة شديدة انبهرت بلحيته وتأدبه الجم، عقب الزواج كان يمضي وقتا طويلا في غرفة
خصصها لنفسه، وعندما كنت أسأله عن سبب مكوثه بالساعات في الغرفة عقب رجوعه من الصيدليه، كان يخبرني أنه يحفظ القرآن الكريم ويتدبر آياته، أثناء فترة الماجستير خفت أن أقصر في شأن البيت فاقترحت على عاصم أن نستعين بخادمة للطهو والتنظيف رحب بشدة،
رشحت لي احدى الصديقات فتاة من الأرياف وأخبرتني أن أختها الأكبر منها تعمل لديها منذ ثلاث سنوات ولم تر منها إلا خيرا، فرحت جدا وبالفعل كانت رحمة فوق الوصف مع حداثة سنها إلا أنها كانت بارعة في تدبير شؤون البيت بكل أمانة وإخلاص.
ما كان مني إلا أن اعتبرتها فردا من البيت جعلتها تكمل دراستها من المنزل وأغدقت عليها وعلى أسرتها مما أعطاني الله، في أحد الأيام عُدت من الجامعة فوجدت رحمة تبكي بشدة وتطلب مني أن أعيدها إلى قريتها، سألتها عن سبب بكاؤها وطلبها الغير متوقع أخبرتني أن زوجي الدكتور عاصم تحرش بها وليست هذه هي المرة الأولى، لكنه تمادى هذه المرة وراودها عن نفسها، طلبت منها أن تعيد ما قالته فلقد كنت مصدومة بشدة أيعقل أن هذا التقي النقي يتحرش بخادمة في الخامسة عشرة من عمرها؟
أقسمت بأغلظ الأيمان أن ما تقوله حقيقي، هدأت من روعها وتوجهت على الفور إلى غرفته ولأول مرة فتحت حاسوبه المحمول وحدثت الصدمة وجدت ملفا باسم غريب فور فتحه تبين أنه يضم تسجيلات لكاميرا الصيدلية وأن التسجلات أغلبها للغرفة الملحقة للصيدلية المخصصة لتحضير التركيبات وأحيانا كان يقوم بإعطاء الحقن
للمرضى وجدت فيها تسجيلات لتحرشة لرواد الصيدلية من الفتيات الصغار والسيدات لم أتمالك نفسي وأخذت رحمة والحاسوب إلى قسم الشرطة وجعلتها تقص عليهم ما حدث معها، فور القبض عليه أنكر تماما وإدعى أنني قمت بتزوير تسجيلات الكاميرا وأخذ يدعو عليَّ ويتهمني بأقذر التهم، وأخبر كل من زاره في محبسه أنني أقوم بذلك لأحصل بسهولة على الطلاق، وعايرني بكوني عقيم في البداية هناك من تعاطف معه بل اختلق البعض قصصا وتأويلات
وضغطت عليَّ أسرتي وأسرته لكي أقنع رحمة بتغيير أقوالها، لكني رفضت كل العروض، وتحملت وأبي ما كان من قطيعة العائلة وأبيك حياتي وقتها كانت أشبه بكابوس مرعب هددني أخوه ووالدته بتشويه سمعتي وتلفيق الصور المفبركة، لكن حصص الحق بتقرير النيابة الذي أثبت بعد فحص ومراجعة الكاميرات أن التسجيلات سليمة تماما
وحكمت المحكمة عليه بالسجن لمدة عشر سنوات، حصلت على الطلاق وأقسمت من وقتها أن أكون بالمرصاد لتلك الفئة الضالة من الرجال، أكملت رحمة دراستها والآن تعمل ممرضة في مستشفى صديقتي سعاد، طمأنتني أنها سوف تتعامل معه بطريقة لا تفضحه لكنها ستكون درسا قاسيا له."
شعرت بالارتياح، لكن ما أحزنني أن عمتي بعدها بيومين أصابتها وعكة صحية مفاجئة دخلت على إثرها إلى مستشفى الدكتورة سعاد زاهر، لعمل الفحوصات الطبية اللازمة، وقتها عادت المخاوف إلى نفسي وشعرت بوحشة قاتلة، فلا أنا أستطيع إبلاغ السلطات عنه حتى لا تثور العائلة لتهوري ويضيع مستقبله كما أن في رقبته صغار
وزوجة وقد تتعاطف معه العائلة بدلا مني وفي نفس الوقت لا أقدر على دفع أذاه عني ولا مصارحتهم حينها سيتبارى الكل لتوجيه النقد واللوم وحده ربي يعلم براءتي، وها هي عمتي التي توسمت فيها الخير ترقد في المستشفى، بت والدموع تخنقني فأنا لم ارتكب جُرما، حتى يلاحقني مهووس مختل يتخذ من الدين قناع لتهديد الأبرياء وترويعهم.
![]() |
| العمة المريضة |
قصة الانتقام المؤلم - بطلة تتصدى للثعلب الماكر
قصة الانتقام المؤلم - وقوع الأستاذ شفيق في مصيدة العمة زينب
دخلت الدكتورة سعاد زاهر وضحكت بشدة من صنيع عمتي أشارت عمتي إلى الأستاذ شفيق وطلبت منها أن تعالجه على حسابها، دخلت رحمة لمعاونة الطبيبة سعاد نظرت بازدراء ناحيته وقامت بوكزه بقوة، اعتذرت منه وأخبرته أنها لم تقصد أبدا إيلامه، فكت قيوده بحزم، ثم قامت الطبيبة سعاد بجذب شعره بقوة وتعللت بأنها تحاول فتح فمه لترى حال حلقه التفت ناحية عمتي وقالت:
" لا تقلقي على قريبك فهو في يد أمينة. ردت عمتي إذا احتاج أحد المرضى لجزء من الكبد أو الكُلى لا تترددي فالرجل تقي نقي يحب التبرع والعطايا، لا تنسي عزيزتي أن لديه خمسة من الأطفال، لهذا فهو ليس مضطرا لإنجاب المزيد، لهذا إذا سرحت بمشرطك هُنا أو هناك لا حرج عليكِ ".
نهض الأستاذ شفيق من السرير صائحا: " أقبل قدميك واعترف وأقر بندمي، أخرجوني قطعة واحدة، وكفي مشرطك عني".
ضحكت الطبيبة سعاد بشده، قبل أن ننصرف قالت عمتي:"هذا جزاء فعلك القبيح يا عِرة الذكور عديم الرجولة منعدم الأخلاق، لئن شكوت لمخلوق، أقسم بمن رفع السماء سوف أجعل حياتك جحيما وأبلغ زوجتك ثم السلطات."
قصة الانتقام المؤلم - عودة إلى البيت عقب الانتقام المؤلم
عادت عمتي بصحبتي إلى بيت العائلة، أخبرنا جدي بعد عدة أيام أنه علم في المسجد بعد الصلاة أن شفيق تعرض لحادث مُروع عند عبوره الطريق ، شعر والدي بالأسف وتمنى له السلامة.
طلبت مني عمتي أن أتحلى بالشجاعة وأخبرتني أن الحياء محمود ومن الخصال الرائعة التي تتزين بها الفتاة، غير أن المواجهة ضرورية مع أمثاله من الحُثالة، خوف الضحية من التشهير بها وعدم الافصاح يدفع المُجرم للتمادي.
من يومها وأنا أشعر ببعض الثقة، قررت أن أجعل من عمتي ورحمة مثالا يحتذى به وألا أخجل من مصارحة عمتي التي وقفت بجانبي وأثبتت أن كيد النساء يتفوق على حماقة المتنطعين.
تمت.
دمتم بكل ود.



